الحكم الذاتي والأمازيغية في المغرب، ندوة بآزرو تعمّق نقاش الهوية والتنمية في ضوء القرار الأممي

kechtv22 ديسمبر 2025 مشاهدة
الحكم الذاتي والأمازيغية في المغرب، ندوة بآزرو تعمّق نقاش الهوية والتنمية في ضوء القرار الأممي

احتضن فضاء المركز السوسيو رياضي للقرب بمدينة آزرو، يوم السبت 20 دجنبر 2025، ندوة فكرية نظمتها كل من الجمعية الإقليمية الدار الكبيرة والتجمع العالمي الأمازيغي، حول موضوع، الحكم الذاتي والأمازيغية، القرار الأممي وسؤال الهوية والتنمية في المغرب، وذلك بحضور باحثين وأكاديميين وفاعلين مدنيين وحقوقيين، إلى جانب مهتمين بقضايا الأمازيغية والحكامة الترابية.
وافتتحت أشغال الندوة بترديد النشيد الوطني، أعقبته كلمة رئيس التجمع العالمي الأمازيغي السيد رشيد راخا، ثم كلمة رئيس الجمعية الإقليمية الدار الكبيرة بإقليم إفران، حيث أكدا على أهمية فتح نقاش عمومي هادئ ومسؤول حول الحكم الذاتي، باعتباره خيارا سياسيا وتنمويا يندرج في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية، ويرتبط بسؤال الهوية والعدالة المجالية.
بعد ذلك، افتتحت الأستاذة والاعلامية السيدة أمينة ابن الشيخ، رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي في المغرب، المداخلات بعرض فكري حمل عنوان “الحكم الذاتي انطلاقا من ميثاق تامازغا”، أبرزت فيه أن ميثاق تامازغا يشكل مرجعية فكرية وحقوقية متقدمة لفهم الحكم الذاتي، باعتباره صيغة ديمقراطية لتقرير المصير الداخلي، لا تتناقض مع وحدة الدولة، بل تعززها من خلال الاعتراف بالتعدد اللغوي والثقافي والمجالي.
وأوضحت ابن الشيخ أن الحكم الذاتي، وفق هذا التصور، لا يعني الانفصال أو المساس بالسيادة الوطنية، وإنما يقوم على لا مركزية ديمقراطية حقيقية، تمنح للجهات والمؤسسات المنتخبة صلاحيات فعلية في تدبير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتُمكّن المواطن من المشاركة المباشرة في صناعة القرار العمومي.
كما شددت على أن الإنصاف اللغوي والثقافي يشكل مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة المجالية والتنمية المستدامة داخل مختلف الجهات، معتبرة أن ميثاق تامازغا يربط الحكم الذاتي بإرساء الديمقراطية التشاركية، ويدعو إلى الانتقال نحو نموذج ترابي يمنح الجهات إمكانيات تشريعية وتنفيذية حقيقية، في إطار الدستور والمؤسسات الوطنية.
واختتمت مداخلتها بالتأكيد على أن الحكم الذاتي، كما تطرحه الحركة الأمازيغية في ضوء ميثاق تامازغا، يمثل رافعة لتعزيز الوحدة الوطنية وضمان الاستقرار، وبناء دولة قوية بتعددها، عادلة في توزيع السلطة والثروة، ومنفتحة على محيطها المغاربي والإفريقي.
وفي السياق ذاته، قدم الأستاذ رشيد راخا مداخلة بعنوان كيف يمكن التصدي لإشكالية المغرب بسرعتين، تناول فيها مظاهر التفاوتات المجالية والاجتماعية التي ما تزال تعمق الفجوة بين ما يُصطلح عليه بـ“المغرب النافع” و“المغرب المهمش”.
وأكد المتدخل أن الحديث عن “المغرب بسرعتين” لم يعد مجرد توصيف إعلامي، بل أصبح واقعا ملموسا تعكسه الفوارق الصارخة في البنيات التحتية، وجودة الخدمات العمومية، وفرص الشغل، والولوج إلى التعليم والصحة، بين المركز والهوامش، وبين المدن الكبرى والمناطق الجبلية والقروية.
وأوضح الرئيس الدولي للتجمع العالمي الأمازيغي أن معالجة هذا الاختلال البنيوي تتطلب إرادة سياسية واضحة، تقوم على ترسيخ العدالة المجالية وربط التنمية بالخصوصيات المحلية، بدل استمرار منطق التركيز والاستثمارات غير المتوازنة. كما دعا إلى اعتماد نماذج حكم ترابي ديمقراطي تمنح الجهات إمكانيات حقيقية للتخطيط والتنفيذ، وتشرك الساكنة المحلية والمجتمع المدني في اتخاذ القرار، معتبرا أن الديمقراطية التشاركية تشكل رافعة أساسية لتقليص الفوارق المجالية.
وشدد راخا على أن النهوض بالمناطق المهمشة يمر عبر الاستثمار في الرأسمال البشري والثقافي الأمازيغي، باعتباره عاملا من عوامل التنمية والاندماج، وليس عائقا أمام التحديث، مؤكدا في ختام مداخلته أن تجاوز إشكالية “المغرب بسرعتين” رهين بالانتقال من منطق التدبير المركزي إلى مشروع مجتمعي قائم على الإنصاف، والتوزيع العادل للثروة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن تنمية متوازنة ووحدة وطنية قائمة على المساواة والكرامة.
من جانبه، تناول الأستاذ عيسى عقاوي، في مداخلة بعنوان دالحكم الذاتي والمجتمع المدني: الترافع الموازي، دور المجتمع المدني في مواكبة وتجويد مشاريع الحكم الذاتي وترسيخ الديمقراطية الترابية.
وأكد رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام أن المجتمع المدني يُعد فاعلا محوريا في الترافع المؤسساتي والحقوقي حول الحكم الذاتي، من خلال التأطير، وصياغة المقترحات، والتتبع، والمساءلة، وربط السياسات العمومية بالحاجيات الحقيقية للسكان على المستوى الجهوي والمحلي.
وأوضح أن نجاح أي نموذج للحكم الذاتي يظل رهينا بوجود مجتمع مدني مستقل وقوي، قادر على بناء جسور الثقة بين المواطن والمؤسسات، والمساهمة في إشراك الساكنة في اتخاذ القرار، انسجاما مع مبادئ الديمقراطية التشاركية والعدالة المجالية. كما شدد على أهمية الترافع من أجل نقل فعلي للاختصاصات والموارد إلى الجهات، وتمكين المؤسسات المنتخبة من صلاحيات حقيقية، مع تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، معتبرا أن الحكم الذاتي ليس إجراء إداريا فحسب، بل مشروعا مجتمعيا يتطلب وعيا جماعيا ومواكبة مدنية مستمرة.
أما الدكتور حسن حجيج، فقد تناول في مداخلته المعنونة الحركة الانفصالية في الصحراء المغربية وسؤال الهوية، الأبعاد التاريخية والرمزية والهوياتية للنزاع حول الصحراء المغربية، في ارتباطه بالسياقات الإقليمية والدولية.
وأكد الأستاذ الجامعي أن مقاربة ملف الصحراء لا يمكن اختزالها في البعد السياسي أو الأمني فقط، بل تستدعي فهما عميقا لسؤال الهوية، باعتباره عنصرا مركزيا في توظيف الخطاب الانفصالي، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، مبرزا أن هذا الخطاب يقوم في كثير من الأحيان على إعادة بناء سرديات هوياتية منفصلة عن الامتداد التاريخي والثقافي المغربي.
وأشار إلى أن الهوية في الصحراء المغربية هوية متعددة الروافد، تتقاطع فيها الأبعاد الأمازيغية والحسانية والعربية والإفريقية، ضمن وحدة تاريخية وثقافية جامعة، محذرا من أن تجاهل هذا المعطى التعددي يسهم في تغذية الطروحات الانفصالية. كما دعا إلى مواجهة هذه الأطروحات عبر تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وتثمين الخصوصيات الثقافية المحلية، وإدماجها في السياسات العمومية والتنموية، إلى جانب دعم المشاركة السياسية والتمثيلية الديمقراطية لساكنة الأقاليم الجنوبية.
واعتبر حجيج أن مشروع الحكم الذاتي يشكل إطارا مناسبا لمعالجة الإشكال الهوياتي في الصحراء المغربية، في انسجام تام مع السيادة الوطنية والوحدة الترابية، مؤكدا في ختام مداخلته أن تحصين الصحراء المغربية لا يتم فقط عبر الدفاع الدبلوماسي، بل أيضا من خلال بناء مشروع مجتمعي جامع يعترف بالتعدد ويقطع الطريق أمام توظيف الهوية في النزاعات السياسية.
وشهدت الندوة نقاشا مفتوحا وتفاعليا، تميز بتدخلات نوعية من طرف الحضور، انصبت حول الإشكالات المرتبطة بالحكم الذاتي، وسؤال الهوية، وأدوار المجتمع المدني في الترافع والدفاع عن الوحدة الترابية.
واختتمت أشغال الندوة بالتأكيد على أهمية مواصلة تنظيم مثل هذه اللقاءات الفكرية، لما لها من دور في تعميق النقاش العمومي، وترسيخ ثقافة الحوار، وبناء تصور وطني جامع لقضية الصحراء المغربية في أبعادها السياسية والهوياتية والتنموية.
إبراهيم فاضل

عاجل