في زمنٍ تتسارع فيه الخطى وتختصر المسافات بالرحلات الجوية، اختار شاب مغربي أن يسير في الاتجاه المعاكس، وأن يعيد للرحلة معناها الروحي العميق. عبد العزيز الناصري، ابن مدينة هوارة بإقليم تارودانت، يسطر واحدة من أروع قصص الإيمان والإصرار، بعدما قطع آلاف الكيلومترات سيرًا على الأقدام من طنجة نحو مكة المكرمة، في رحلة تمزج بين المغامرة والروحانية واكتشاف الذات.
لم تكن فكرة الرحلة نزوة عابرة، بل حلمًا يسكن الناصري منذ سنوات الطفولة، حين كان يسمع عن رحلات الأجداد إلى الديار المقدسة مشيًا على الأقدام. وحين اشتد عزمه، قرر أن يحيي تلك الذاكرة المنسية، فانطلق من طنجة متسلحًا بحقيبة صغيرة، وعلم المغرب، وإيمان كبير، ليعبر شمال البلاد ثم الصحراء الكبرى وصولًا إلى الكركرات، حيث بدأ أول فصول التحدي الحقيقي.
في بدايات الرحلة، استعان الناصري بحمار أسماه “دانكير” لحمل أمتعته عبر المسالك الجبلية، لكنه اضطر لاحقًا إلى تركه، ليشتري جملًا لم يصمد بدوره أمام قسوة الطريق. عندها قرر الاعتماد على نفسه فصنع عربة يدوية سماها “طيسلا”، تجمع بين روح الابتكار والجهد البشري، ومنها واصل المسير متحديًا حرارة الصحراء والرطوبة والطرق الوعرة.
من موريتانيا إلى السنغال، ثم غامبيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري وسيراليون وصولًا إلى ساحل العاج، يقطع الناصري يوميًا ما بين 30 و60 كيلومترًا. يواجه الأمطار الغزيرة والحر الشديد ومخاطر الغابات والحيوانات المفترسة، ومع ذلك يحتفظ بروحه المشرقة وإيمانه الراسخ بأن “كل خطوة تقرّبه من الله”.
في كل بلد يمر به، يجد عبد العزيز في مغاربة العالم عائلةً جديدة. استضافوه، أطعمـوه، وقدموا له الدعم والتشجيع. يقول في أحد مقاطع الفيديو: “المغاربة في إفريقيا هم السند الحقيقي، يجعلونني أشعر وكأن الوطن يسير معي أينما ذهبت.”
تحولت رحلة الناصري إلى ظاهرة رقمية عالمية يتابعها الملايين على فيسبوك وإنستغرام وتيك توك ويوتيوب. توثّق فيديوهاته تفاصيل الطريق، لقاءاته العفوية، وتحدياته اليومية، وتحصد مئات الآلاف من المشاهدات والتعليقات الداعمة التي تصفه بـ“سفير المغرب في إفريقيا” و“رمز الإصرار المغربي”.
رحلة عبد العزيز ليست مجرد عبور جغرافي من طنجة إلى مكة، بل عبور نحو الذات واليقين. إنها رسالة مغربية خالصة تدعو إلى العودة للبساطة، والإيمان، والصبر. في كل محطة يرفع علم بلاده ويبتسم للعالم، مجسدًا قيم التواضع والإصرار والفخر بالانتماء.
رغم آلاف الكيلومترات التي تفصله عن مكة، لا تتراجع عزيمته لحظة واحدة. في كل بث مباشر يكرر عبارته التي أصبحت شعارًا لمتابعيه: “كل خطوة تقرّبني إلى الله.”
بهذه الكلمات وبخطواتٍ ثابتة، يمضي عبد العزيز الناصري من طنجة إلى مكة، مشيًا على الأقدام، ليكتب فصلًا جديدًا من الأسطورة الإنسانية المغربية التي ستبقى محفورة في الذاكرة.
إعداد: إبراهيم فاضل – أكادير

























































