يُفترض في آلية الانتقال الوطني بين الجهات أن تكون إجراءً إدارياً يراعي الاستقرار الأسري والاجتماعي لنساء ورجال التعليم، غير أن واقع الممارسة يكشف عن اختلالات عميقة تجعل هذا الامتياز المعلن أقرب إلى عقوبة مهنية صامتة، تخلّف آثاراً نفسية ومادية جسيمة على الأساتذة المنتقلين، في ظل حلول ترقيعية تنتهجها الوزارة الوصية، سرعان ما تتحول إلى أزمات متناسلة وشكوك متزايدة حول مستقبل الاستقرار المهني.
ويُجمع عدد من الأساتذة الذين استفادوا من الانتقال بين الأكاديميات الجهوية على أن أولى وأخطر الإشكالات التي تواجههم تتمثل في التوقف شبه التام لمسار الترقي منذ تاريخ انتقالهم خارج الأكاديمية الأصلية. وضعية تضع الأستاذ في حالة انتظار مفتوح، وتنعكس سلباً على نفسيته ومردوديته، رغم استمراره في أداء واجبه المهني بروح من المسؤولية والتفاني.
في المقابل، تتنصل الأكاديميات الجهوية من تحمل المسؤولية، حيث يُنظر إلى الأستاذ المنتقل وكأنه عبء إداري لا ملف له ولا صفة واضحة، ما يجعل جميع محاولات الاستفسار حول وضعيته تصطدم بالتسويف والتماطل، بل أحياناً بالتجاهل الصريح. ويؤكد عدد من المعنيين أنهم قوبلوا بردود فجة من قبيل: “الملف ديالك ما عندناش، سير جيبو من الأكاديمية الأصلية”، في مشهد يختزل حجم العبث الإداري الذي يرافق هذا المسار، ويجعل الأستاذ وكأنه عامل موسمي يتنقل من ورش إلى آخر دون حقوق ثابتة.
أمام هذا الوضع، يطرح سؤال جوهري نفسه بإلحاح: عن أي مردودية تتحدث الوزارة؟ في ظل حرمان فئة من الأساتذة من حقهم في الترقي أسوة بزملائهم الذين يتمتعون برقم مالي ممركز، رغم توحد الواجبات والمسؤوليات.
ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد، إذ يسجل المنتقلون توقف التعويضات العائلية، رغم أنها لا ترتبط قانوناً بتوقيف الأجرة، ما يعمّق الإحساس بأن الانتقال بين الجهات تحول إلى لعنة إدارية تُسلَّط على الأستاذ بدل أن تكون آلية لتيسير حياته المهنية والأسرية.
أما الإشكال الثالث، فيتعلق بـتوقيف التعويض التكميلي الخاص بأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، في غياب تام لأي حس إنساني أو تواصل إداري مسؤول. فكيف يُعقل، يتساءل المتضررون، أن يُقتطع ولو درهم واحد من أجرة موظف دون سند قانوني واضح، فقط لأنه استفاد من انتقال وُصف يوماً بالحق المشروع، ليُعاد اليوم مثقلاً بالأعطاب، مخلفاً وراءه ضحايا يتزايد عددهم سنة بعد أخرى.
إن واقع الانتقال الوطني، كما يعيشه الأساتذة المنتقلون، يكشف عن اختلال بنيوي في تدبير الموارد البشرية، ويستدعي تدخلاً عاجلاً لإعادة الاعتبار لهذا الإجراء، عبر تسوية الملفات العالقة، وضمان الحقوق المالية والمهنية، ووضع حد لمعاناة فئة تؤدي واجبها في صمت، لكنها تُقابل بإقصاء غير مبرر من أبسط حقوقها المشروعة.
براهيم افندي





















































