التعذيب جريمة ضد الإنسانية يتغذى على الإفلات من العقاب: قضية ياسين الشبلي تكشف حجم المأساة

هيئة التحرير20 أبريل 2025 مشاهدة
التعذيب جريمة ضد الإنسانية يتغذى على الإفلات من العقاب: قضية ياسين الشبلي تكشف حجم المأساة

رغم التقدم الحاصل على مستوى التشريعات الدولية والإعلانات الأممية التي تُجرّم التعذيب دون استثناء أو مبرر، ما زالت هذه الجريمة البشعة تُمارس في عدد من دول العالم، حتى تلك التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان. التعذيب، وفق القانون الدولي، محظور كليًا ولا يسقط بالتقادم، ويمثل انتهاكًا جسيمًا لا يبرره وضع طارئ أو تهديد أمني. ورغم وضوح النصوص، فإن الواقع يُظهر أن ممارسات التعذيب لا تزال قائمة، متغذية على الإفلات من العقاب وضعف آليات المساءلة.

لا تزال جمعيات حقوق الإنسان، وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تقود معارك طويلة لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة في قضايا تعذيب ظلت لعقود طيّ النسيان. في يونيو 2014، وضعت الجمعية 28 شكاية لدى وزير العدل والحريات آنذاك، مصطفى الرميد، تتعلق بادعاءات تعذيب طلاب معتقلين في فاس ومراكش. رغم الوعود بفتح التحقيق، تم طمس الملف بالكامل.

ولم تكن حالة وفاء شرف أقل إثارة للجدل، إذ تحوّلت الضحية من مختطفة ومُعذبة إلى متهمة بالوشاية الكاذبة، وقضت ثلاث سنوات خلف القضبان سنة 2014.

قضية ياسين الشبلي، الشاب الذي تُوفي داخل مخفر الشرطة بمدينة بنجرير في أكتوبر 2022، أعادت إلى الواجهة ملف التعذيب في المغرب، بكل ما يرافقه من صدمة، وألم، وتساؤلات عن مصير العدالة.

منذ اللحظة الأولى، لم يشكك أهل الضحية والجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تعرضه للتعذيب، واعتبروا أن الوفاة لم تكن طبيعية. ورغم محاولات التكييف القانوني للواقعة على أنها “جنحة”، إلا أن القضاء الابتدائي ببنجرير أصدر قرارًا جريئًا بعدم الاختصاص النوعي في متابعة ثلاثة من رجال الشرطة، مستندًا إلى المواثيق الدولية لتعريف التعذيب. وهو نفس المسار الذي سلكته المحكمة الابتدائية بمراكش في قضية مشابهة.

لكن المفاجأة جاءت من محكمة النقض التي أعادت الملف إلى المحكمة الابتدائية، رافضة طلبات الأسرة والجمعية بالكشف عن التسجيلات المصورة رغم ما تحمله من أدلة دامغة.

في جلسة 17 أبريل 2025، استجابت المحكمة أخيرًا لطلب عرض التسجيلات. ليظهر أمام الجميع، بالصوت والصورة، ما كانت الأسرة تصرّ عليه: تعذيب وحشي تعرض له ياسين الشبلي، وصل حد صلبه على شكل حرف T، مع تقييده وتعريضه للضرب المبرّح على الرأس وبين الفخذين، وهو مكبّل اليدين لأكثر من 8 ساعات. مشاهد صادمة وصفها المحامون بالحاطة من الكرامة الإنسانية، والمخالفة لكل الأعراف والقوانين.

قال الأستاذ عبد الإله تاشفين، محامي الأسرة والجمعية:
“استشهد ياسين الشبلي بعد أن لم يتحمل حجم التعذيب الفظيع. تم صلبه بطريقة مقززة، ومعه تم صلب وجه العدالة. لقد شاهدنا حجم المأساة كاملة.”

أما الأستاذ رشيد بالعربي، فقال بتأثر بالغ:
“عشرون سنة من المحاماة لم أعاين فيها مشهداً بهذه البشاعة. شاب معروف بفنون الحرب يدخل المخفر واقفًا، ويخرج منه جثة هامدة. ما شاهدناه ألحق الضرر بسمعة الأمن الوطني قبل أن يمس عائلة ياسين.

الوقائع المثبتة بالصورة والكلمة تضع القضاء المغربي أمام مسؤولية جسيمة: هل يتم الكشف الكامل عن الحقيقة؟ هل يُحاسب المتورطون، الآمرون، والمنفذون؟ أم تُطوى الصفحة كما طويت ملفات أخرى؟ يبقى السؤال مفتوحًا، في انتظار ما ستؤول إليه الجلسات القادمة.

إن جريمة التعذيب ليست فقط انتهاكًا للقانون، بل هي مساس بجوهر الكرامة الإنسانية، ومتى ما استمرت دون عقاب، فإن العدالة تفقد معناها، وتفقد الدولة ثقة مواطنيها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق