الإقصائيَّة هي أخطر أسلوب في الفكر والسلوك هدد ويهدد أمن البشرية، وهذه الإقصائية صارت أيديولوجية تتغذى على مصادر متعددة منها: الأنا المرضي، والمعتقد غير السليم، والهوى النرجسي ،والمصلحة الشخصية.. بل إنها توظِّف أحيانا أطروحات مزيفة من العقلانية، باعتبار ان العقل السليم هو قيد وميزان به يتم الفصل بين الصحيح والخطأ.
وهذه الإقصائية توغَّلت جذورها في كل المجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية والدينية، وصار شعار من يعتنقُها ( أنا الأحق وغيري لا يستحق )، انا من يمتلك القوة والسلطة والقرار، وغيري عبد مُنصاع.
وأنتجت هذه الإقصائية أنظمة ديكتاتورية وقمعية، وحاربتْ في أدبياتها المتسخة، وجنونها الاعتقادي، كل فكر وسلوك يميل الى الوسطية او التعايش والتسامح، بل من منظريها من دعا الى إبعاد ونفي أو إبادة المخالفين.
لقد تمظهرات الاقصائية في أشكال ومجالات متعددة: من إقصائية في العقيدة، وفي المذهبية، وإقصائية في السياسة والحزبية، وإقصائية في النمو الاقتصادي وفي امتلاك التكنولوجيا، وإقصائية في العرق والاصول والطائفية، وإقصائية في الافكار المخالفة …
ولا يركب سفينة الإقصاء إلا المُعَقَّدون ،غير الأسوياء و الواهمون بالبقاء، و لايرون في مرآة الحياة الا أنفسَهم، وحتى لو تَبيَّن لهم زيْغُهم وخروجهم عن الطريق الصحيح، فهيهات هيهات الرجوع، لان وهْم العظمة، والانا المريضة، شكَّل غِشاوة على عيونهم وفكرهم، فلا يستطيعون ان يبصروا وضْعَهم وحقيقتَهم المُنكَرة.
و هذا السلوك السَّئ تجمَّعت كل جيناته في نماذج عبر التاريخ، ظهرت في قوم نوح، وفي سلوك فرعون وقارون وهامان، وتولَّدت عنه إقصاءات عقدية وفكرية واقتصادية وسياسية. وظنَّت البشرية أن الطوفان قد خلَّصها من هذا السلوك، وظن الناجون كذلك أنَّ غرَقَ فرعون وجنوده قد أنهى هذه الجرثومة، لكن تبيَّن أن الجرثومة صعبة ُالاستئصال، وأنها تنْتقِل من سلالة الى أُخرى، تخمد ُنارها في أجيال، ثم تظهر في أخرى، فمن يعتقد بزوالها هو وَاهِمٌ ، وغيرُ مُدْرِك لحقيقة هذه الدنيا، وصراعاتها، وأنْ لا نجاة منها الا بفناء البشرية. فهنيئا لمن تسلح بالصبر، والمقاومة، ودقة الفهم، والابتعاد ان يكون طرفا، او مُدعِّما لهذا الفكر او السلوك الاقصائي.
وهنيئا لمن عاش ومات وهو برئ من عبادة هذا الوتَن النَّتن .
محمد خلوقي
اكتشاف المزيد من كِشـ تيفي - Kech TV
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.