لا تشغيل بدون إبداع ولا نمو بدون ملكية فكرية

في ظل مشاركة أكثر من 60 ألف باحث عن عمل في “ملتقى التشغيل الجهوي”، وبينما لم يتجاوز عدد الشركات والمؤسسات المشغلة المشاركة فيه خمسين جهة، بدا جليًا حجم الفجوة الكبيرة بين طموحات الشباب ومحدودية العرض الاقتصادي المحلي. لا يتعلق الأمر فقط بعجز ظرفي في المناصب المتاحة، بل بأزمة بنيوية أعمق ترتبط بنمط الإنتاج المحلي الذي ما زال يعتمد على التقليد بدل الإبداع، وعلى الاستيراد بدل الابتكار، وعلى التوظيف المؤقت بدل الاستثمار في الطاقات.

من موقعي كرئيس لاتحاد المخترعين الدوليين ووكيل تأجير حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة، أؤكد بأن الاقتصادات التي لا تملك رؤية واضحة للملكية الفكرية لا تستطيع أن تخلق فرص شغل دائمة ومحترمة. فالشركات في الدول المتقدمة التي تشغّل 100 ألف موظف أو أكثر، لم تبلغ هذا الحجم إلا لأنها تنتج وتخترع وتجدد بصفة دائمة، وتعتمد بشكل أساسي على أصول غير مادية، في مقدمتها براءات الاختراع والعلامات التجارية والتصاميم المحمية وحقوق المؤلف.

أما الشركات التي لا تبدع ولا تحمي ابتكاراتها، فهي تعيش تحت رحمة المنافسة العشوائية، وتظل رهينة للأسواق التقليدية، وبالتالي تصبح طاقتها الاستيعابية للتوظيف محدودة، بل ومعرّضة للتراجع والاختفاء عند أول أزمة. وأرقام هذا الملتقى تُترجم ذلك بوضوح: خمسون شركة لا يمكنها، في أفضل الحالات، أن تستوعب أكثر من 10 آلاف مترشح، فماذا عن الخمسين ألف الآخرين؟!

لهذا، فإنني أوجه من هذا المنبر نداءً عاجلًا إلى الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات العمومية والهيئات الداعمة: الاستثمار في الإبداع ليس ترفًا، بل ضرورة اقتصادية وأمن اجتماعي. نريد شركات مبتكرة، تعترف بالاختراع، تحمي منتجاتها، وتستثمر في البحث والتطوير، وتفتح أبوابها أمام المبدعين وليس فقط الباحثين عن وظائف مؤقتة.

إن الملتقيات التي تقتصر على تجميع السير الذاتية دون تمكين حقيقي للشركات من أدوات النمو المعرفي والتكنولوجي، هي ملتقيات ستعيد إنتاج نفس الأزمة. أما الطريق إلى تشغيل مستدام وشامل، فلن يكون إلا عبر بوابة الإبداع، ومن خلال تعزيز ثقافة الملكية الفكرية.