الجمال :مصالحة بين الروح والمادة

محمد خلوقي

لا احد ينكرُ أن رحلة الانسان في الحياة هي البحث عن السعادة والجمال والخير والحق .
وبخصوص مبحثُ الجمالِ تجدُه من القيم المحبوبة عقلا وطبعا وشرعا، وانه يحرك ويثير في الانسان احاسيس الإعجاب والانبهار او المتعة أو التقدير اوالتأمل
لكن الشعور به لا يكون فقط عبر العين، بل عبر القلب والفكر أيضًا. اي انه يُلامس أيضًا العاطفة والذوق الشخصي،
فاذا كان الشعور الاول موضوعيا ، يصدر عن نظرة حسية، تشبع فقط نشوة مادية لحظية وعابرة، فان الشعور الثاني ذاتي وشخصي ونسبي، يصدر عن أحاسيس َومشاعرَ شخصيةٍ وداخليةٍ، حتي أنَّ ما تراه أنت جميلا فاتنا، قد يراه غيرك سمْجا و قبيحا،
لماذا هذا الاختلاف ؟؟
لان زاوية النظر في هذه الحالة الثانية لا تركز على الظاهر بل تتوغل في الباطن بحثا عن جمال فريد و خالد وسرمدي، وحين تعثرُ عليه وتُجلِّيه، فإن كل المقاييس والاحكام الظاهريةتخرسُ و تسقُط وتتغيَّر، وهكذا يصير مُهذَّب السلوك، و رفيع الاخلاق والمواقف جميلا في وجهه، وبَهيّا في طلته وطلعته وضحكته حتى وان لم يكن واقعه الظاهري والشكلي كذلك، ويصير الشيخ الذي غزاهُ الشيب، شابا يافعا بالنضارة والاناقة، واما الخبيث الماكرُ فكرا وسلوكا فلن يشفع له جمالُ وحسنُ وجهِهِ، وفتنةُ قدِّه، لان الناظر اليه لا يحكم بحاسته الظاهرة، بل بإدراك وكشف باطني، يتحوَّل معه الجمال الظاهري المشهود الى قبح مفهوم ومذموم.
نستخلص مما سبق ان التصور لقيمة الجمال يختلف من فرد لاخر، ومن ثقافة إلى أخرى، فهناك من يربط الجمال بالبساطة والطبيعة. وآخرون يُقدَّرون الجمال من خلال الزينة والمظاهر الخارجية. وفي ثقافات اخرى يرتبط الجمال بالقيم والأخلاق حتى انهم يرفعون له شعارَ: (الجمال جمال الروح)
وفي تقديري الشخصي ان الجمال الراقي والباقي هو ما تحققت فيه المصالحة بين جمال الظاهر الباطن، و تناغمت فيه ايقاعات الروح والمادة، انه الجمال الحقيقي الذي تستحسنه العين، و تهدأ له النفس، و يعشقه القلب. صحيح ان نوعه نادر وقليل، لكنه غير مستحيل الوجود.