تعيش الظاهرة الغيوانية في الآونة الأخيرة على وقع التراجع والإهمال واللامبالاة وهي تقاوم لوحدها دون سند بعدما تخلى عنها جهاز الوصاية. لقد ظهر جليا ان رموزها القدامى سواء من ماتوا رحمة الله عليهم أو الأحياء منهم رفعوا السقف عاليا وهم يبصمون على مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الفني. الظاهرة الغيوانية جعلت من دورها الرسالي مهمة الإرتقاء بالكلمة الهادفة واللحن العذب الجميل.
عكسوا بانجازهم فترة سياسية لازالت موشومة في الذاكرة وتأبى النسيان ، تفاعلوا مع حراك ساحة سياسية غنية من حيث النقاش قاده نخبة من الساسة والمثقفين البارزين. كنا فيما مضى نميل بشكل تلقائي دون تكلف إلى غناء المجموعات التي فرضت نفسها في الساحة الفنية كمجموعة ناس الغيوان ولمشاهب وجيل جيلالة ومجموعة الوان ولرصاد وغيرها من المجموعات وهو امر لم يكن سهلا وسط غنى ثقافي ومنافسة شرسة لاتعترف سوى بالأجود .
عشنا معها غنى في المبنى والمعنى فكانت سلسة منسابة يحفظها العقل ويغنيها الوجدان بقيت راسخة تقاوم لوحدها وهي تواكب هموم وانشغالات المواطن محاولة من زاويتها خلق وعي نوعي لديه ومساهمة في تنشيط ساحة فنية لها خصوصيتها. تلكم الظاهرة الغيوانية التي لايمكن لأحد ان ينفي دورها او يصادر حقها في الوجود .
اسدل الستار على النسخة 12 من مهرجان الظاهرة الغيوانية والذي احتضنه مسرح الهواء الطلق بلمحاميد على مدى اربعة ايام من 5 غشت 2024، إلى 8 من نفس الشهر. وهنا نسجل كون النسخة الاخيرة التي ودعناها يوم الخميس الماضي أكدت بما لا يدع مجالا للشك ملاحظة قد أدلينا بها في السابق كون الظاهرة الغيوانية مستهدفة من وجهة نظري وتدفعنا للتساؤل ماهي اسباب تحويل المهرجان من المسرح الملكي الى مكان لا تتسع طاقته الاستيعابية للجمهور الكبير بينما نشهد حضور بعض الجمعيات المحظوظة هناك. لايعقل ان تعيش مراكش بتاريخها العريق على وضع يضيق الخناق فيه على الانشطة الثقافية سواء في المسرح او غيره من الفنون. وهو امر لا ينفي مسؤولية الوزارة و المجلس الجماعي الذي يعتبر الثقافة شأنا ثانويا لايحظى باهتمام واسع.
هناك جانبان أساسيان مهمان يؤثران في ديمومة واستمرارية الظاهرة الغيوانية: الاول ذاتي يتجلى في كون الظاهرة تقتات من ذاتها بمعنى ان الرموز الذين نبغوا في هذا المجال استحال مع هذا الوضع مجاراتهم حتى بتنا لا نرى لهم مثيلا سواء كزجالين او مغنيين، والملاحظ ان الشباب الذي يمثل هذا الفن غارق في التقليد وغير مجدد بالشكل الذي يحدث استمرارية كمثال يدلل على قولنا مجموعة جورة من البيضاء والشعاع من العرائش ومجموعة اسوار من الجديدة وهناك سبب موضوعي يتجلى في تخلي وزارة الثقافة التي لم تترك تفاهة على المستوى الوطني او الدولى إلا وساندتها ودعمتها دون أن نعاين اشارة في اتجاه الظاهرة الغيوانية، هذه المؤسسة التي لازالت تقاوم ضمانا للبقاء وهنا لابد من شكر رئيس مؤسسة الظاهرة الغيوانية الوطنية الأستاذ مولاي عبد الحفيظ البنوي الذي صرح في كثير من المناسبات ان تراجع المهرجان من حيث عدد المشاركين واثره على الطبق الفني مرده بالأساس الى غياب الدعم والتبني للحدث وشراكة حقيقية تساهم في الحفاظ على الموروث الغيواني الذي يحافظ على الذاكرة و المفروض فينا جميعا سواء كمهتمين أو كمسؤولين الاعتناء به وبكل المشتغلين به.
ذ.ادريس المغلشي .