في ما مضى كانت الاسرة هي المسؤولة الاولى عن التربية، اما المدرسة على اختلاف فضاءاتها ومسمياتها (لمسيد – الكتَّاب ..) فقد أوكلت لها بالدرجة الثانية مهمة التعليم والتكوين، واحيانا تساعد الأسرة في بعض الجوانب التربوية، لكن الذي حدث – في الزمن المعاصر – ان الأسرة قد تراجعت عن مسؤوليتها الأساسية في التربية والتنشئة، فاكتفت فقط (بالتغدية) وتوفير الحاجيات بدل (التربية) وحسن التسيير، فأنهكت نفسها فقط في توفير مستلزمات العيش من: سكن عذاء وكساء وسفر، وتركت الأبناء في هرج ومرج، تتلاطمهم أمواج العبثية والحداثة المزيفة.
والواقع يؤكد ان بعض الأمهات صِرن خبيرات بالأسواق، وأماكن التبضع، ويعرفن كل صغيرة وكبيرة عن سوق الخضر والملابس والمطبخ، ولا يعرفن عن حاجيات أبنائهن من التربية والتوجيه، وحسن والإنصات إلا النزر القليل .. وكذلك هو واقع حال الآباء، فخبرتهم بتفاصيل الدروب الموصلة الى مقر العمل، وطرق الترقي والكسب صارت أكبر من البحث والتنقيب عن طرق فعالة لتربية سليمة، وكذالك نجد ان معرفتهم بتشكيلات، وحياة لاعبي كرة القدم ، او عدد المقاهي والنوادي ومنتجعات الصيف وحالة الطقس، تفوق معرفتهم بالأحوال النفسية لابنائهم.
لهذا لا سبيل إلى صلاح أي مجتمع، واستمرارية وجوده وبقائه وفق القيم الأصيلة والصحيحة، إلا بحسن إعداد نواة الأسرة، ( الزوج والزوجة ) وتوعيتهما بمسؤولياتهما التربوية و الانسانية والحضارية..
وهكذا فبصلاح الزوجين سيصلُح حال الأبناء تربويا وتعليميا وسلوكيا وقيميا، وبهذه النتيجة سيتحقق الهدف الأعلى وهو صلاح المجتمع، ونهضته وتطوره في جميع النواحي.
أما إن اقتصرَ الأمر على مجال التغدية، والتسْمين والتزيين والترفيه والتسْفيه، وما شابه ذلك ، فالأكيد أن المجتمع سيفقد الكثير من خصوصياته الانسانية. وسيجد بين ظهرانه أجيالا وأجسادا ضعيفة و هشَّة ومنبطحة ومتَّدمرة، أو عنيفة ومتطرفة ومُدمِّرة.
محمد خلوقي