هدم المنازل تحت رؤوس الساكنة باسم القضاء على دور الصفيح، تجاهل وضعية الساكنة التي أتى الزلزال وبعده الفيضانات على وجودها، الإهمال والمبيت في العراء والعيش في الخيام البلاستيكية، شعارات “للدولة الاجتماعية”،
يحتفي المحفل الأممي، في 07 من أكتوبر 2024، باليوم الدولي للسكن تحت شعار: “إشراك الشباب لخلق مستقبل حضري أفضل”، للتأكيد على المكانة التي بات يحتلها الشباب اليوم، لاسيما في أفريقيا وآسيا، وضرورة إسهامهم في إبداع عالم حضري يتسق والمستقبل الذي ينشدون بناءه؛ هذا فيما يجري تهميش الشباب ببلادنا، ويحكم عليهم بقبول الأمر الواقع أو الهروب نحو ضفاف أخرى موعودة، محفوفة بالمخاطر والموت.
ففي المغرب لم تكن سنة 2024 كسابقاتها من السنوات، بل كانت سنة استثنائية. ولعل ما أضفى عليها هذا الطابع، هو تعاقب الكوارث من زلازل وفيضانات في العديد من المناطق. ذلك أن الزلزال الذي ضرب بقوة، ليلة 08 شتنبر 2023، منطقة الحوز، شيشاوة، تارودانت، أزيلال وورزازات، خلف الكثير من الضحايا ودمارا شاملا، لا سيما في القرى والتجمعات السكانية المهمشة، المنبثة بين الجبال وفي المواقع المعزولة ذات المسالك الوعرة؛ حيث جرى حينها إحصاء أزيد من 11.000 شخصا مسهم الزلزال بإقليم الحوز وحده، وتعرضت مباني 80 دوارا لأضرار بليغة بأزيلال، والانهيار الكلي أو الجزئي لما يناهز 55.142 مسكنا على صعيد الأقاليم الخمسة التي أصابها الزلزال، لم تتم الأشغال من بناءها كليا إلا ل 1000 منزلا، كما جاء في بلاغ لجنة البين وزارية المكلفة بإعادة البناء و التأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز الذي نشرته بعض وسائل الإعلام المتابعة للقضية، رغم أن الدعم المخصص لإعادة الاعمار تم صرفه بنسبة 95% كما جاء في تصريح حكومي ذي صلة بالموضوع. غير أنه خلال حصيلة أولية لاحقة جرى الوقوف على تأثر 35 جماعة و522 دوارا بالزلزال، وتضرر 5497 عائلة، أضرارا بليغة، تضم أكثر من 24.805 شخصا جراء ذلك.
ورغم الرجة الكبرى التي أوقعها هذا الحدث المؤلم والمأساوي، فإنه ما كان له ليكف يد السلطات عن البطش بالمواطنين والمواطنات من قاطني الأحياء المبرمجة لإعادة الهيكلة، وغيرهم ممن يقيمون فوق الأراضي الجماعية المصادرة لفائدة مافيا العقار.
وقد جاءت الفيضانات الأخيرة لتعمق محنة مواطني ومواطنات الهامش، بسبب ما أسفرت عنه، في مناطق الجنوب الشرقي، من غرق لعدد لا يستهان به من السكان، وتجريف كامل للمنازل والممتلكات، تاركة الكثير منهم دون مأوى وتحت رحمة السماء.
فعلى هذه الخلفية ترتسم أبرز معالم وملامح نكبة أولئك الآلاف من الناس، الذين جرى حرمانهم من الحق في سكن لائق مأمون يوفر لهم حقهم في الخصوصية والأمن والكرامة. فلا ضحايا تم إيواؤهم في مساكن مؤقتة ومقبولة تقيهم من تقلبات أحوال الطقس، ولا الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم متعوا بأخرى بديلة، ما زالوا يحلمون بامتلاكها لسنوات عديدة دون أن يضفروا بشيء سوى سراب وعود عرقوبية، وقمع كلما تنادوا للاحتجاج.
إن فشل السياسات المعتمدة حتى اليوم لتوفير السكن اللائق لعموم المغاربة، أو على الأقل عدم كفايتها وتأرجحها بين مجموعة من البرامج، دفع بالدولة، متم سنة 2023، إلى التفكير في تجريب مقاربة جديدة لتمويل المساعدات المالية المخصصة لدعم السكن لفائدة الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والمتوسط، تسلم للمقتني بدل المنعش العقاري، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2024 وإلى غاية 2028.
وبناء على ما تم رصده من انتهاكات ما فتئ يتعرض لها الحق في السكن، بوصفه يشكل جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان المترابطة والمتلازمة، يمكن تسجيل ما يلي:
· تواصل العجز المسجل فيما يتعلق بالمساكن، حيث تظهر “المؤشرات الرئيسية لقطاع العقار الخاصة بسنة 2023″، التي تصدرها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة – قطاع الإسكان وسياسة المدينة – أن العجز السكني سنة 2022 ارتفع بنسبة 4،1% قياسا إلى سنة 2021؛ إذ ارتفع من 326.178 وحدة سكنية إلى 339.537 وحدة سكنية؛
· استمرار ظاهرة دور الصفيح والسكن، غير المجهز وغير المرخص، وهذا ما يتجلى من خلال المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية الخاص بسنة 2023 الذي عد، ضمن ما عد من منجزات الحكومة، “تحسين ظروف عيش ما يناهز 412.640 أسرة من أصل 500.000 أسرة قاطنة بدور الصفيح، وإعلان 59 مدينة بدون صفيح من أصل 83 مدينة”؛ وإذا أضفنا إلى هذا إشادة المشروع بتمكن الحكومة أيضا من “تحسين ظروف العيش لما يناهز 1.325 مليون أسرة قاطنة بالأحياء الناقصة التجهيز والسكن غير القانوني”، سيتبين الحجم الكبير لعدد الأسر التي تفتقر إلى منازل وبيوت تستوفي المعايير الدنيا للسكن اللائق؛
· البطء الكبير المسجل في معالجة مشكلة النسيج العتيق للدور القديمة، حيث يشير تقرير المندوبية السامية للتخطيط المعنون ب “السكان والتنمية في المغرب: ثلاثون عاما بعد مؤتمر القاهرة سنة 1994-التقرير الوطني-يونيو 2023″، إلى أن الجرد الأخير لعدد المساكن الآيلة للسقوط، لسنة 2022، قد قدرها بنحو 41.350 بناية، تأوي 76.068 أسرة؛
· مواظبة السلطات العمومية على القيام بعمليات هدم المساكن، في سعي محموم منها، للتخلص من دور الصفيح والسكن العشوائي أو غير القانوني كما تسميه، أو للاستيلاء على الأراضي الجماعية لبعض الجماعات السلالية وتفويتها للخواص ومافيا العقار؛
· خضوع توجهات التصاميم المديرية وتصاميم التهيئة لضغط لوبيات العقار ومصالحهم على حساب سياسة معمارية تراعي حاجيات المدن والتجمعات السكنية وجماليتها وتوفرها على شروط العيش الكريم والطمأنينة؛
· الخصاص المهول في البنيات والتجهيزات والمرافق الأساسية بمعظم الأحياء الشعبية بالمدن والقرى؛ من طرق وإنارة، وقنوات الصرف الصحي، ومساحات خضراء، وفضاءات ثقافية ورياضية؛
· غض الطرف والسماح بإقامة بنايات ومساكن في مجاري الوديان الجافة، مما يجعلها عرضة للفيضانات الطارئة؛
· التجاهل التام لوضعية المشردين والذين يعيشون بدون مأوى، وعدم التوفر على أماكن للإقامة الطارئة تكون مأمونة وحافظة للكرامة هؤلاء…
ولا يفوت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمناسبة هذا اليوم الدولي، أن تغتنم الفرصة للتعبير عن وقوفها إلى جانب ضحايا الحق في السكن اللائق، وللتنديد بكل ما يلحقهم من طرد وتشريد وقمع، ولتجديد مطالبتها للدولة بالعمل على:
- اتخاذ كافة التدابير المالية والتشريعية والإدارية، التي من شأنها تأمين حق الجميع، وعلى رأسهم ضحايا الزلزال والفيضانات، في الحصول على سكن لائق وآمن، يكون ميسور الكلفة ومضمون الحيازة؛
- سن قوانين تحمي الحق في السكن وفق المعايير الدولية، وتضمن حقوق السكان في الاستقرار والحماية من التشرد، قبل وأثناء عمليات الإفراغ أو الإخلاء القسري؛
- إلغاء كل القوانين والتشريعات، المستمدة من الظهائر الاستعمارية، التي تحرم أو تحد من حق الجماعات القبلية في التصرف في الأراضي الجماعية الخاصة بها، وفي مواردها وثرواتها؛
- وضع حد للمضاربات العقارية، والتفويتات غير المشروعة للأراضي المملوكة للدولة وللجماعات لفائدة مافيا العقار؛ ومراجعة قواعد التصاميم المديرية وتصاميم التهيئة بما يضمن توفير شروط القضاء على السكن غير اللائق، بما يعنيه من وضع حاجيات المواطنين والمواطنين في أولوية هذه القواعد.
المكتب المركزي: