محمد تكناوي
التربية لم تعد في العصر الحالي، مقتصرة على الاسوياء من الأطفال، ولم يعد التعليم موجها، لذوي القدرات العقلية المتوسطة والعالية كما كان الحال من قبل، وإنما أصبحت الجهود التربوية والتعليمية تستهدف جميع الناشئة بغض النظر عن مستوياتهم العقلية وقدراتهم الاستيعابية، وذلك انطلاقا من الإيمان بحق كل إنسان في أن ينال نصيبه من التربية والتعليم في الحدود التي تسمح بها قدراته وطاقاته، وعليه لم يعد بنظر إلى الإعاقة بكل مستوياتها على أنها حاجز، ولم يعد ينظر الى الأطفال في وضعية إعاقة ذهنية على أنهم كم بشرى يجب إهماله، وإغفال تربيته وتعليمه، وإنما أصبح ينظر إلى الأشخاص في وضعية إعاقة على انهم افراد انسانيون يستحقون بذل المزيد من العناية والاهتمام في تربيتهم وتعليمهم حتى يتسنى لهم امتلاك القدرة على التكيف في الحياة وشق طريقهم فيها في الحدود التي تسمح بها قدراتهم و طاقاتهم.
انطلاقا من هذا التوجه نظّمت الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين لجهة مراكش- آسفي، صباح يوم الثلاثاء 3 دجنبر 2024، حلقة نقاشية حول موضوع “
التربية الدامجة بين المكتسبات الحقوقية والتدخلات العلاجية”
و تزامن تنظيم هذا اللقاء مع الإحتفال باليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة، وايضا تماشيا مع مقتضيات التنصيص الإجرائي لخارطة الطريق 2022-2026، و لا سيما البرنامج المهيكل رقم 13 المتعلق بالتربية الدامجة.
و كان اختيار تيمة هذه الحلقة النقاشية جد موفق على اعتبار أهمية وراهنية و تنوع المقاربات والمداخلات المقررة فيها، والتي تتأسس على مكونيين أساسيين: المكتسبات الحقوقية و التدخلات العلاجية، والتي تنسجم مع أحكام دستور المملكة الذي يعتبر التربية والصحة حقوقا للمواطنين، مع حظر ومكافحة جميع أشكال التمييز، بما فيها التمييز على أساس الإعاقة.
وللاشارة فالمغرب كان من طليعة الدول التي انخرطت في المنظومة الحقوقية الأممية، وأقرت جميع التشريعات والقوانين حق الأشخاص في وضعية إعاقة في تعليم ميسر الولوج وذي جودة، و تبعا لذلك كان على المنظومة التربوية أن تساير مختلف التحولات السياسية والحقوقية والتربوية، لإرساء مدرسة مُرحبة ومنصفة ودامجة، قوامها احترام التنوع بكل أشكاله، لتكون جسرا لمشروع مجتمعي دامج يحترم الاختلاف وتعدد الذكاءات، ويجعل من الإعاقة جزءاً من التنوع البشري.
واعتبرت المصفوفة المؤطرة لهذه الحلقة النقاشية، إن وظيفة المدرسة اليوم، هي توفير عرض تربوي دامج، يمكن الأطفال في وضعية إعاقة من حقهم في التمدرس إسوة بباقي الأطفال، سواء كان ذلك على مستوى بنية الاستقبال، أم كان على مستوى البرامج والطرق والوسائل. وعلى هذا الأساس، فإن التربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة، هي سيرورة تحتاج إلى نسق دامج، تتضافر وتتكامل فيه جهود مختلف الفاعلين المعنيين، وتضيف المصفوفة ان المدارس الدامجـة تشكل اليوم جيلا جديدا للمدارس المرحبة والمستقبلة للأشخاص في وضعية إعاقة، تتأسس على إعداد وتهيئة البيئة التعليمية، وجعلها ميسرة ومستجيبة للاحتياجات التربوية الخاصة للأشخاص في وضعية إعاقة، مع برامج وأساليب للتعليم ملائمة.
و أكدت المصفوفة في الختام ان التربية الدامجة تستهدف في تأصيلها الحقوقي والتربوي ضمان المشاركة الكاملة في التعلم للجميع، مع مراعاة تنوع احتياجات جميع المتعلمين والاستجابة لها، وهي سيرورة تستلزم رؤية مشتركة لجميع المتدخلين وتضافر الجهود لمباشرة التحول وتعديل المحتوى، والمقاربات، والبنيات والاستراتيجيات.
النقاش الذي أعقب العروض المقدمة ، عكس قناعة عامة لدى كافة المتدخلين بكون التربية الدامجة، هي تجلي للوعي الإنساني بحقيقة ما يحمله لفظ المساواة من معان ودلالات، وإطار للوعي البيداغوجي لحقيقة ما يحمله لفظ التنوع والتفرد من معان ودلالات في المجال التربوي، وإطار للوعي القانوني بما يحبل به لفظ الحق من معان ودلالات انسانية.