السينما الهندية على مسافة الصفر

Boubker BAROUD26 أغسطس 2024 مشاهدة
السينما الهندية على مسافة الصفر


يعتبر فيلم “حياة الماعز” لمخرجه “بليسي توماس” حدثا بارزا أعاد إلى الاذهان دور الفن في حمل قضايا المجتمع وتأدية دوره في نقل هموم المواطن بعيدا عن هدف الترفيه والتسفيه والتتفيه والإلهاء .في ظل هذا التفاعل الكبير الذي اجتاح كل الفضاءات وبعدما حطم رقما غير مسبوق في بورصة السينما من خلال المشاهدة والنقاش بل اعاد للاذهان كثير من الصور المهينة التي كانت تصل تباعا من الخليج حول أنماط من القساوة التي تمارس على اليد العاملة من طرف الكفيل والذي يجسد أسوأ اشكال العبودية والإهانة في وقتنا الراهن.

كل هذا التفاعل الذي أحدثه الفيلم الهندي من تجاذبات واختلاف في الرأي ووجهات النظر يعيد السؤال حول الموضوع الإشكالية الكفيل مكسرا صورة بلد خليجي حاول كثيرا وهو ينفق المليارات كي يبدو حداثيا وعصريا. لكن تبين أن قوة رسالة الفن الراقي اللصيق بقضاياه المجتمعية التي تتبنى دورها الإنساني قد تعصف في آخر لحظة بكل المخططات وأساليب الماكياج .

وهنا ترفع القبعة لصاحب هذا المنجز تأليفا وإخراجا وهو يفضح سياسة الإستعباد في بلديدعي التحضر.عبر مشاهد درامية حاطة من كرامة الإنسان مركزة على بطل الفيلم “نجيب “الذي وقع ضحية النصب ابتداء من طرف شخص لاعلاقة له بالعقدة مرورا بظروف وبيئة العمل البدائية ومنعه من استعمال الماء كمادة اساسية للحياة في بيئة قاحلة وانتهاء بصعوبة عملية الهروب أمام قسوة وعنف الكفيل الذي جعل”نجيب” في هيئة خارج التاريخ والحضارة والإنسانية بل دفع به في مشهد منحط وهو يزاحم الماعز في مورده من أجل الشرب. مشاهد عنيفة في حمولتها العاطفية مدمرة لدرجة اصبح المصير مشتركا بين “نجيب” الإنسان الذي اخضعته الظروف لخوض تجربة حياة الماعز والتي خلصنا جميعا انها في أعلى درجات القسوة للحيوان فما بالك بالإنسان فيلم حاول بكل امكاناته الضخمة أن يجسد حقيقة البداوة في الخليج ودرجة الاهانة التي تتعرض إليها اليد العاملة الأجنبية وهي صورة رغم مواجهتنا لبعض مظاهر المبالغ فيها إلا انها لم تنف حقيقة الواقع المعيش هناك .
السؤال الذي يحضرني اللحظة .كيف تعامل الفن والسينما تحديدابالمغرب مع هذه المعضلة والتي لازلنا نحتفظ بأشرطة فيدو لمغربيات يستنجدن هروبا من قبضة الكفيل .فتيات في عمر الزهور وقعن في شبكات التهريب .

في هذا السياق تحضرني ندوة عقدت بفرنسا سنة 2018 من تأطير وزير التشغيل انذاك الأستاذ محمد يتيم الذي تلقى سيلا من الأسئلة من بينها و على رأسها سؤالين هامين الأول “باعتباركم وزير التشغيل في حكومة بمرجعية اسلامية ماهو نوع تدخلكم الفوري والمستعجل اتجاه مغربيات يستنجدن بالمملكة المغربية بعدما وقعن ضحية الكفيل بالسعودية وعانين صنوف التعذيب وألوان لاتخطر لكم على البال من القهر ؟

السؤال الثاني :” لم نشهد لكم تحركا على مستوى قضية عاملات الفراولة باسبانيا اللواتي وقعن ضحية تحرشات جنسية من طرف مشغليهن في المقابل نرى كيف ان جمعية المحامين الإسبان تتبنى الملف وتقيم دعوى ضد هذا السلوك المشين للمشغل الإسباني ؟ الوزير بدا تائها في خضم إشكالات كبيرة لم يقدم فيها جوابا شافيا.

وظهرت محدودية وسلطة قراراته التي لاتتعدى حدود مكتبه في الرباط.
النقاش المطروح الآن والذي اتسع بشكل كبير حول حقيقة الكفيل ومنظومة العمل بدولة خليجية ومظاهر العبودية المنافية لكل الحقوق الانسانية. تعطي خلاصة مهمة أن الفن الهادف قادر على تسجيل أهداف في مرمى أدعياء حقوق الإنسان بل ويختار التوقيت المناسب من أجل دحض كل الأكاذيب مهما بالغنا في تقويتها والدعاية لها ، وأن يزاوج بحرفية كبيرة بين مضامين تحمل قضية إنسانية مهمة ورواج اقتصادي يحطم ارقاما قياسية في المشاهدة ، لانشك لحظة ان خزانة السينما المغربية غنية بالأفلام لكن اغلبها موجه بتعليمات المحتضن على حساب الفن وقضاياه الجوهرية والآخر على الهامش بدون مضمون رغم إمكانياته الضخمة .
ذ. ادريس المغلشي .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق