أفاد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تدوينة له، أنه لم يثر تقرير منظمة الشفافية الدولية، الذي صنف المغرب في المرتبة 99 من أصل 180 دولة في مؤشر إدراك الفساد، قلق الحكومة المغربية بقدر ما أزعجها نشاط الجمعيات التي تعمل على مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في الحياة العامة. هذه الجمعيات، التي تستند إلى الدستور والقوانين الوطنية وإلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، باتت في مرمى نيران وزير العدل، الذي توعدها بإحالة ملفاتها على النيابة العامة، معتبرًا أنها سبب تفشي الفساد، وليس الجهات التي تستفيد منه.
وتطرق رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام لمفارقة لافتة، حيث يتجاهل الوزير المطالب بتجريم الإثراء غير المشروع، وهو التشريع الذي يمكن أن يشكل قاعدة قانونية لمحاكمة المسؤولين الذين يراكمون الثروات بطرق غير مشروعة. لكنه بدلاً من ذلك، يوجه سهامه إلى الجمعيات الحقوقية، متناسياً أن بعض أعضاء حزبه أنفسهم تحوم حولهم شبهات الفساد، حيث انتقلوا من حالة الفقر إلى امتلاك ثروات ضخمة دون مبرر واضح.
يبدو أن الوزير، الذي يتجاهل تورط نواب في قضايا فساد ونهب المال العام وحتى الاتجار بالمخدرات، يجد نفسه أكثر انزعاجًا من الجمعيات الحقوقية والإعلام المستقل، وهو ما يعكس توجهًا واضحًا نحو تكميم الأفواه وتحويل أنظار الرأي العام عن المعضلة الحقيقية: تفشي الفساد في المؤسسات والهيئات المنتخبة.
وتابع الغلوسي، هذا التوجه ليس معزولًا عن سياق سياسي أوسع، حيث تتزايد الضغوط لإعادة إنتاج نفس النخب السياسية في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مما يتطلب تقويض الأصوات التي تطالب بالمساءلة والشفافية. فبدلًا من العمل على تحسين تصنيف المغرب في مؤشرات النزاهة، يبدو أن الأولوية لدى الحكومة ووزير العدل هي محاصرة الجمعيات الحقوقية والصحفيين، في مهمة تبدو واضحة: حماية المفسدين وتحصينهم من أي مساءلة قانونية.
وختم الغلوسي تدوينته معلنا، أن هذا النهج لا يعمق فقط أزمة الثقة بين المواطنين والدولة، بل يعزز مشاعر الغضب والاحتقان، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلاد. فحين تصبح مكافحة الفساد جريمة، يصبح الفساد نفسه سياسة رسمية غير معلنة.