الاستاذ محمد خلوقي
المسلمات :
قال سبحانه: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13
وقال كذلك: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47)
الفهم والتفكر :
قدرة الله فوق كل تصور ، ورحمته بعباده كذلك فوق كل تصور .. ونصرته للحق وسحقه للظلم والظالم فوق كل تصور .
من قدراته انه يعطل – بحكمته – قوانين الطبيعة والوجود التي اوجدها و يحتكم اليها كل خلائقه ،
فمن قدرته ان عطل عملية إحراق النار حين وضع النمرود ُابراهيم َداخلها ثم أنجاه الحكيم القدير . وقد ذكر سبحانه تعالى هذا الحدث في سورة الانبياء:
(قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَاعِلِينَ 68قُلۡنَا يَانَارُ كُونِي بَرۡدࣰا وَسَلَاما عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ 69
وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدࣰا فَجَعَلۡنَاهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ 70
وَنَجَّيۡنَاهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بارَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَالَمِينَ 71)
ومن قدرته سبحانه وتعالى أنه عطَّل قوانين اتصال حركة البحر والموج حين سلك موسى وقومه اليَمَّ ، ثم أنجاهم من بطش فرعون بعد ان أغرقه وجنوده في نفس المكان والزمان .
قال تعالى في هذا الموقف من سورة البقرة:
(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ [سورة البقرة:50)
ومن قدرته تعالى أن فئةً قليلة في معركة بدر يقودها الرسول المجاهد -محمد عليه أزكى الصلوات -وكان قوامها( 314 )ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، معهم (2 )فَرَسان و (70 ) سبعون جملًا، ورغم قلة هذه الفئة ، فقد حقَّقت نصرا كاسحا على جيش كفار قريش الذي وصل تعدادُ ه (1000) الف رجل، معهم (200)مئتا فرس، أي كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريبًا. وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على الكفار ، وقُتل قائدهم عمرو بن هشام ، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر (70)سبعون رجلًا , وأُسر منهم (70 )سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى (14)أربعة عشر رجلًا، (6) ستة منهم من المهاجرين و (8 )ثمانية من الانصار .
قال تعالى في سورة التوبة :
﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ �[ التوبة 49]
الخلاصة :
-ألم يكن في زمن هذه الاحداث الصالحون والطالحون ، الاخيار والاشرار ، المستضعفون والمُستقْوُون ..المؤيدون والمعارضون ، الشامخون والانبطاحيون .. ؟؟ بل ان فئة الشر كانت اكثر عددا وعدة و ونفوذا وسلطة ، لكن قدرة الله وحكمته دائما تنتصر للحق .وتهزم الظلم والشر .
-ولهذا فكل مُتفكر ، مُعتبر ، متدبر لسنن الخالق وقدرته ، عليه ان يقيس باستمرار الغائب على الشاهد، ويقرأ ويفهم الواقع ، ويُصدِّق ويؤمن بالمتوقَّع .
وان يهزم في دواخله كل احساس بالتدمر او اي وسوسة بالتسليم والانبطاح والهزيمة، وحتى ان وصل بعضهم الى هذه الحالة ، فليستيقظ من غفوته ، وليتأكد ان لحظة (الاستيئاس) في محاربة الشر والاجرام ، وهزمهما هي عينها لحظة الفرج والنصر ، الذي ينبعث كالعنقاء من رمادها ،
وفي ذلك يقول الحق سبحانه في سورة يوسف:
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 109 – 111].
-و علي كل مُتفكر ان يعيش ويؤمن باليقين الاوحد وهو نصرة الله للحق ، ووعده الصادق بالاستخلاف والتمكين للمؤمنين المجاهدين الصادقين الصابرين .. حتى ولو ظهر لهم في اوقات حالكة ان اعلام الشر قد انتصبت في كل مكان .. وان الشر قد سجن الناس وعزل الحق ، وأخرس الاصوات واخرج الاسواط ..فذاك سلوك وهن وضعف ، وزمنه لا محالة منقض ٍ، ولن يؤثر على الفطرة السليمة ،اوالقيم الاصيلة ،اوالارادة القوية في هزم الظلم والشر ، فزمن الليل قصير ، وزمن الشر والظلم أقصر ، و لا يصح الا الصحيح . وبيننا الايام .
قال سبحانه في سورة النور : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55
وقال كذلك في سورة الانبياء: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 105 – 107]