شهدت الأيام القليلة الماضية انكشاف فضيحة مالية مدوية تمثلت في اختلاس ما لا يقل عن 60 مليار سنتيم مغربي، إضافة إلى أراضٍ لا تُحصى كانت مملوكة لشركة العمران، جرى اقتناؤها بأسعار زهيدة. بطل الفضيحة ليس سوى المدير السابق لفرع الشركة بمنطقة الشرق، (ز. ل)، الذي يواجه حالياً اتهامات خطيرة إلى جانب مجموعة من المتهمين الآخرين.
تتابع القضية أمام القضاء، حيث يخضع خمسة متهمين للتحقيق في حالة اعتقال احتياطي، بينهم المدير المالي ومهندس ومسيرو شركات استفادت من صفقات مشبوهة، بينما يخضع آخرون للمتابعة في حالة سراح مؤقت. وتتركز الاتهامات على اختلاس أموال الشركة، التلاعب في الصفقات، وإقصاء منافسين بطرق احتيالية.
وقد أُودع المتهمون الرئيسيون السجن المحلي بوركايز بفاس بعد شكوى قدمتها الشركة الأم بشخص مديرها العام، حسني الغزاوي. وفي خطوة جدية، حدد قاضي التحقيق بمحكمة استئناف فاس موعداً في السابع عشر من الشهر القادم للتحقيق التفصيلي مع المتورطين.
ظهرت خيوط الفضيحة بعد تراكم ديون فرع الشركة الجهوي بالشرق، والتي تجاوزت ملياري درهم خلال عشر سنوات فقط. هذا التراجع في الأداء دفع الإدارة المركزية إلى فتح تحقيق داخلي كشف عن اختلاسات وأخطاء جسيمة، أبرزها إنفاق أموال طائلة في مشاريع غير مربحة، مما كبّد الشركة خسائر فادحة وصلت إلى الحجز على حساباتها البنكية لصالح مقاولات لم تتلق مستحقاتها.
كما تورط المدير السابق في توقيع اتفاقيات مع جماعات محلية ومؤسسات حكومية تتعلق بمشاريع البنية التحتية، حيث تسلم مبالغ مالية ضخمة لكنها اختفت في مسارات مجهولة.
بدأت الإدارة المركزية باتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة الأزمة، منها توجيه باقي فروع الشركة لإصلاح الخلل، واسترجاع نشاط فرع الشرق تدريجياً. كما جرى مراجعة المشاريع المتعثرة وتفعيلها من جديد، مما أعطى مؤشرات أولية على استعادة التوازن.
لكن معالجة النتائج وحدها ليست كافية. فالحل الأنجع لوقف هذا النزيف يكمن في استرداد الأموال المختلسة، ليس فقط من المتهمين الرئيسيين بل أيضاً من كل من تورطوا بشكل غير مباشر، عبر الحجز على ممتلكاتهم وأرصدة أقاربهم إذا كانت الأموال المسروقة قد نُقلت إليهم.
(ز.ل) يمثل نموذجاً صارخاً لفيروس الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة. ومع تعدد حالات الاختلاس في السنوات الماضية، بات ضرورياً اعتماد استراتيجية شاملة، تبدأ بالمحاسبة الصارمة واسترداد الأموال المنهوبة.
فالاعتقال وحده لن يوقف ظاهرة الاختلاسات، بل يشجع على ظهور حالات أخرى مع مرور الوقت. الأهم هو إرساء مبدأ “لا إفلات من العقاب”، مع تعزيز الرقابة الصارمة على المؤسسات العمومية، وضمان الشفافية في إدارة الصفقات.